09‏/08‏/2021

تحرّروا، رحمكم الله.

 الحديث هذه الأيّام يذكرهما كثيرا: الدّكتاتوريّة والدّيمقراطيّة.

الدّكتاتوريّة عشناها والدّيمقراطيّة أيضا وذكريات هذه كذكريات تلك.. لن أقول بأنّ ذكريات الدّيمقراطيّة أشدّ بأسا من ذكريات الدّكتاتوريّة حتّى لا أظلم الفئة التي أنهكتها مظالمها ولكنّي أقول بأنّنا لم نرى خيرا في هذه ولا في تلك.

الدّيمقراطيّة بمعناها المعيشي أوصلتنا للبؤس المادّي والمعنوي وهي مدانة ومرفوضة كما الدّكتاتوريّة بالضّبط.

ماهي الدّيمقراطيّة الأصليّة؟

الدّيمقراطية حرفياً وترجمة من اليونانيّة هي "حكم الشّعب" وهي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة، إمّا مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين، في إقتراح وتطوير وإستحداث القوانين، وهي تشمل الأوضاع الإجتماعية والإقتصاديّة والثّقافية التي تمكّن المواطنين من الممارسة الحرّة والمتساوية لتقرير المصير السّياسي، ومن أهمّ أسس الدّيمقراطية الإلتزام بالمسؤوليّة وإحترام النّظام وترجيح كفّة المعرفة على القوّة والعنف، ويطلق مصطلح الدّيمقراطيّة أحيانا على المعنى الضيّق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيّةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع، والدّيمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام إجتماعي مميّز يؤمن به ويسيرعليه المجتمع ويُشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقيّة معيّنة تتجلّى فيها مفاهيم تتعلّق بضرورة تداول السّلطة سلمياً وبصورة دورية. 

الدّيمقراطيّة إذن هي طريقة تسيير الدّولة بعد إكتساب الحرّيّة، هي مجرّد طريقة، وليست النّقيض للدّكتاتوريّة وقد تكون نوعا من أنواع الدّكتاتوريّات عندما تتجاوز حدودها.. ويمكن أن تتجاوز حدودها.

والدّيمقراطيّة ليست صورة واحدة ثابتة بل هي تتغيّر قواعدها حسب المجموعة التي تتبنّاها .

ويمكن للدّيمقراطيّة أن تتجاوز حدودها  وتصبح دكتاتوريّة عندما تكون مستوردة من مجتمع ما وتُفرض صورة طبق الأصل على مجتمع آخر.

والدّيمقراطيّة التي نعيشها في تونس هي من هذا النّوع لأنّنا لم نصنعها محليّا بل صُنّعت لنا وفُرضت علينا، فكانت نتائجها سلبيّة جدّا.

فهي من أوصل من هبّ ودبّ من شذّاذ الآفاق للحكم بقوّة النّفوذ والمال والتّزوير..

وهي من سمحت للفسّاق بإنتهاك المجتمع وإغتيال قيمه..

وهي من شيّدت للفساد قامة وسلطانا.

الدّيمقراطيّة المخصيّة المفروضة علينا شرعنت الفساد وزعّمته وقوّته بالقانون وأضعفت الحقّ والقيم ودنّسته بالقانون.

فالخطأ هو جعل الدّيمقراطيّة في المعنى نقيضا للدّكتاتوريّة بينما الصّحيح هو أنّ الحرّيّة هي عكس الدّكتاتوريّة والبديل الشّرعي لها، أمّا الدّيمقراطيّة فليست سوى صنيعة قد تحقّق الحرّيّة وقد لا تحقّقها. 

تحقّقها عندما تُفصّل على مقاس مستعمليها فالمجتمعات ليست نسخة من بعضها، لكلّ مجتمع هويّته وجذوره وعاداته وتقاليده ومقدّساته وما ينجرّ عنها من عادات وتقاليد ومسموحات ومحرّمات.

ولا تحقّقها عندما تكون "فريبا" نلبسه على علاّته بما فيه من تقاليع صادمة وتفاصيل دخيلة.

والدّيمقراطيّة المتعارف عليها نظريّة حدّد الغرب معالمها وروّج لها من أجل مسخ المجتمعات المختلفة عنه تمهيدا للعولمة.

لست مع تلك الدّكتاتوريّة ولا مع هذه الدّيمقراطيّة.. ولكنّي مع الحرّيّة، وعلينا وضع أسس للحرّيّة، حرّيّة أخرى تسد الأبواب في وجه الدّكتاتوريّة بطريقة أخرى غير الدّيمقراطيّة كما فُرضت علينا أو بديمقراطيّة نصنعها نحن وتلبّى نزعاتنا.

نظام يمنع وصول الأوباش للسّلطة بفلترة مشدّدة للمترشّحين قبل ركوبهم على أكتافنا.

نظام يمنع الإعتداء على القيم والأخلاق بدعوى حرّيّة الضّمير والحرّيّة الشّخصيّة.. حرّيّتك الشّخصيّة في بيتك أمّا على مرأى العموم فأنت مقيّد بقوانين وبشرع وبعادات وبتقاليد.. مقيّد بهويّة شعب ليس لك أن تصدمها أو تتحدّاها.

نظام يمنع ظلم الطّبقات ويرسّخ العدل الإجتماعي ليس فيه السيّد والمسود بفعل رأس المال المتوحّش.

نظام يؤمن بالحرّيّة والحرّيّة لا تُستورد، فمن يريد الحرّيّة عليه أن يفصّلها على مقاسة.

الغرب صنع حرّيّته على مقاسة ودسترها في نظام سمّاه ديمقراطيّة وصدّرها لنا.. لا يهمّ أضيّقة علينا فتخنقنا أم فضفاضة فنضيع فيها.. ولبسناها بخضوع فشوّهت أناقتنا وأضحكت علينا الأمم..

شطبت ماضينا وميّعت حاضرنا ونزعت الأمل في مستقبلنا فصرنا نكتة قصيرة جدّا، تضحكهم وتبكينا.

الحرّيّة لا تكون نافعة إلاّ بالأخلاق وبالعدل وبإحترامها لحدودها حتّى لا تُصبح مفسدة مستهترة.

لا يهمّ إن كان إسم نظامها ديمقراطيّة أو شورى أو ولاية الفقيه أوحكم الجماهير أو همّة زرقاء..

المهم أن تكون من منابعنا وأن تحترم غالبيّتنا وألاّ تتعدّى على قيمنا.. وأن تكون عادلة عدلا نؤمن به لا عدل الآخرين.

ولكنّ الأمر فُرض علينا، وبإسم حرّيّة الشّعوب نوّمونا بمقولة لا حرّيّة بدون ديمقراطيّة وزرعوا "ديمقراطيّتهم" في فكرنا لنعبدها ونغدّسها.. وفعلنا.

ومن نوائب الدّهر أن نجد مثقّفين وسياسيّين، يدّعون أنّهم منّا، يستميتون دفاعا على هذه الدّيمقراطيّة الحاليّة الدّخيلة علينا والتي ليس لنا فيها يدا أو رأي دون أن يعوا بلواها ومشاريع فسادها ويتناسوا أنّنا قوم لنا ميثاق غليظ مع الله من يوم أن قبلنا الإسلام دينا فإذا أخلف البعض ميثاقنا ببديل يراه الأنسب فلن ترضى عنه المجموعة، ويقع الصّدام كما هو الحال الآن وهذا وارد قطعا في جميع المجتمعات الإسلاميّة.

يمكن إستنباط نظام يحترم ميثاقنا، سمّوه ماشئتم، بشرط ألاّ يتطاول على عموم النّاس وأن نصوغه بأنفسنا حسب مقاسنا حتّى يراعي المُراعَى من قيم وأخلاق ويبتعد عن المرفوض من تّبعيّة وتقليد ولا يتصادم في تشريعاته مع شرع الله وقوانينه المتّفق عليها وفيها نصوص صريحة لا تقبل الجدال.

وهذه هي الحرّيّة بحدّ ذاتها.

كيف نكون أحرارا ونحن خاضعون لفكر مفروض علينا ونمجّده، بوعي أو بدون وعي، ولا حتّى ننظر عبورا فيما إذا كان فيه منفعة أو ضررا؟

كيف نكون أحرارا ومن يريد أن يسوقنا يجدنا قطيعا أليفا نقبل إذا سطّر وننفّذ إذا أمر؟

كيف نكون أحرارا ونحن لا نملك عقلا حرّا يميّز بين الغثّ والسّمين؟

تحرّروا، رحمكم الله، وبعدها لكلّ حدث حديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Back To Top